]رجل كان يسكر فيضرب زوجته , ويطلقها مرات عدة شفهيا , كما كان يقول لها "أنت طالق بالثلاث " وهو ليس في وعيه , وبعد ذلك يصالحها , لكنه الآن تاب إلى ربه وأصبح يصلي وندم على ما كان يفعل فما حكم الشرع ؟
الحمد لله
اختلف أهل العلم في طلاق السكران إذا كان سكره بتناول ما يحرم عليه من الخمر بأنواعها هل يقع أم لا ؟ على قولين :
القول الأول : أن طلاقه يقع ، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة ومالك ، وأحد القولين للشافعي وأحمد رحمهم الله .
قالوا : لأن عقله زال بسبب معصية ، فيقع طلاقه عقوبة عليه وزجرا له عن ارتكاب المعصية.
ينظر : "المغني" لابن قدامة (7/289). واستدلوا .
القول الثاني : لا يقع طلاقه ، وهو مذهب الظاهرية والقول الثاني للشافعي وأحمد ، واستقر عليه قول الإمام أحمد ، واستدلوا بأدلة ، منها :
1 - قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) النساء/43، فجعل سبحانه قول السكران غير معتبر ، لأنه لا يعلم ما يقول .
2 - وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يقر بالزنا ، فقال : (أشرب خمرا ؟) فقام رجل وشم فمه فلم يجد منه ريح خمر . رواه مسلم (1695) . وهذا يل على أنه لو كان شرب خمرا ، فلا يقبل إقراره ، فكذلك لا يقع طلاقه .
3- ولأنه قول عثمان بن عفان وابن عباس رضي الله عنهم ، وليس لهما مخالف من الصحابة.
قال الإمام البخاري رحمه الله :
وَقَالَ عُثْمَانُ : لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ .
قال ابن المنذر رحمه الله : هذا ثابت عن عثمان ، ولا نعلم أحدا من الصحابة خلافه .
4 - ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره .
5 - ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم .
6 - ولأن العقل شرط التكليف ولا يتوجه التكليف إلى من لا يفهمه .
وينظر : "مجلة البحوث الإسلامية" (32/252) ، "الموسوعة الفقهية" (29/18)، "الإنصاف" (8/433) .
والقول الثاني قد رجحه جمع من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وأفتى به الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : هل يقع طلاق السكران ؟ وإن كان يقع فهل يحاسب على تصرفاته المتعدية الأخرى كالزنا والقتل والسرقة ؟ فإن كان كذلك فما الفرق بين الحالتين ؟
فأجاب : " اختلف العلماء في وقوع طلاق السكران ، فذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع طلاقه كما يؤخذ بأفعاله ، ولا تكون معصيته عذراً له في إسقاط الطلاق ، كما أنها لا تكون عذراً له من مؤاخذته بأفعاله من قتل أو سرقة أو زنا ، أو غير ذلك .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن طلاق السكران لا يقع ، وهذا هو المحفوظ عن الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه ؛ لأنه لا عقل له فلا يؤاخذ بأقواله التي تضر غيره ، والطلاق يضره ويضر غيره فلا يؤاخذ به ؛ لأن عقوبة السكران الجلد وليس من عقوبته إيقاع طلاقه ، وهكذا عتقه ، وسائر تصرفاته الأخرى كالبيع والشراء والهبة ونحو ذلك فكلها باطلة .
أما أعماله وأفعاله : فإنه يؤخذ بها ، ولا يكون سكره عذراً له لا في الزنا ، ولا في السرقة ، ولا في القتل ، ولا في غير هذا ؛ لأن الفعل يؤخذ به الإنسان عاقلاً أو غير عاقل ، ولأن السكر قد يتخذ وسيلة إلى ما محرم الله من الأفعال المنكرة ، وقد يحتج به ، فتضيع أحكام هذه المعاصي ، ولهذا أجمع أهل العلم على أخذه بأفعاله .
أما القول : فالصحيح أنه لا يؤخذ به ، فإذا عُلم أنه طلق في السكر عند زوال العقل ، فإن الطلاق لا يقع ، وهكذا لو أعتق عبيده في حال السكر ، أو تصرف بأمواله في حال السكر ، فإنه لا يؤخذ بذلك ، وكذلك إذا باع أو اشترى ، وكذلك جميع التصرفات التي تتعلق بالعقل لا تقع ولا تثبت ؛ لأن ذلك من تصرفاته القولية كما بينا ، وهذا هو المعتمد وهو الذي نفتي به ، وهو أن طلاقه غير واقع متى ثبت سكره حين الطلاق ، وأنه لا عقل له .
وأما إذا كان غير آثم بأن سُقي شراباً لا يعلم أنه مسكر ، أو أجبر عليه ، وأسقي الشرب عمداً بالجبر والإكراه ، فإنه غير آثم ، ولا يقع طلاقه في هذه الحال عند الجميع ؛ لأن سكره ليس عن قصد ، فلا يؤخذ به ، بل هو مظلوم ، أو مغرور " انتهى من "فتاوى الطلاق" ص (29).
وانظر : "الشرح الممتع" (10/433) ط المكتبة التوفيقية .
وبناء على ذلك ، فلا يقع الطلاق على زوجة المذكور ، ونحمد الله تعالى أن وفقه للتوبة ، وهداه للاستقامة ، ونسأل الله لنا وله الثبات .
والله أعلم .
[/color]